فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم}: تقدَّم نظيره [البقرة 32]، وهي في قراءةِ الناس ومصاحفهم {العزيزُ الحكيم}، وفي مصحف ابن مسعود- رضي الله عنه وقرأ بها جماعة: {الغفورُ الرحيم}، وقد عبث بعض من لا يفهم كلام العرب بهذه الآية، وقال: «إنما كان المناسب ما في مصحف ابن مسعود» وخَفِي عليه أنَّ المعنى متعلق بالشرطين جميعًا، ويوضِّح هذا ما قاله أبو بكر بن الأنباري، فإنه نَقَلَ هذه القراءة عن بعض الطاعنين ثم قال: ومتى نُقِل إلى ما قاله هذا الطاعن ضَعُفَ معناه، فإنه ينفرد «الغفور الرحيم» بالشرط الثاني ولا يكون له بالشرط الأول تعلُّقٌ، وهو على ما أنزل الله وعلى ما أجمع على قراءته المسلمون معروف بالشرطين كليهما: أولهما وآخرهما، إذ تلخيصه: إنْ تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم، وإن تغفرْ لهم فأنت العزيزُ الحكيم في الأمرين كليهما من التعذيب والغفران، فكأنَّ «العزيز الحكيم» أليقُ بهذا المكان لعمومه وأنه يجمع الشرطين، ولم يصلُحْ «الغفور الرحيم» أنْ يحتمل من العموم ما احتمله «العزيز الحكيم».
قال شهاب الدين رحمه الله تعالى: وكلامُه فيه دقةٌ، وذلك أنه لا يريد بقوله: «إنه معروف بالشرطين إلى آخره» أنه جوابٌ لهما صناعةً، لأنَّ ذلك فاسدٌ من حيث الصناعةُ العربية؛ فإنَّ الأول قد أخذ جوابه وهو {فإنهم عبادُك} وهو جوابٌ مطابقٌ فإنَّ العبدَ قابل ليصرفه سيدُه كيف شاء، وإنما يريد بذلك أنه متعلق بهما من جهة المعنى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (119):

قوله تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما انقضى جوابه عليه الصلاة والسلام على هذا الوجه الجليل، تشوف السامع إلى جواب الله له، فقال تعالى مشيرًا إلى كون جوابه حقًا ومضمونه صدقًا، منبهًا على مدحه حاثًا على ما بنيت عليه السورة من الوفاء بالعقود: {قال الله} أي الملك المحيط بالجلال والإكرام جوابًا لكلامه {هذا} أي مجموع يوم القيامة؛ ولما كان ظهور الجزاء النافع هو المقصود قال: {يوم} هذا على قراءة الجماعة بالرفع، وقراءة نافع بالنصب غير منون أيضًا لإضافته إلى متمكن بمعنى: هذا الذي ذكر واقع؛ أو قال الله هذا الذي تقدم يوم {ينفع الصادقين} أي العريقين في هذا الوصف نفعًا لا يضرهم معه شيء {صدقهم} أي الذي كان لهم في الدنيا وصفًا ثابتًا، فحداهم على الوفاء بما عاهدوا عليه، فكأنه قيل: ينفعهم بأيّ شيء؟ فقال: {لهم جنات} أي هي من ريّ الأرض الذي يستلزم زكاء الشجر وطيب الثمر بحيث {تجري} ولما كان تفرق المياه في الأراضي أبهج، بعض فقال: {من تحتها الأنهار} ولما كان مثل هذا لا يريح إلا إذا دام قال: {خالدين فيها} وأكد معنى ذلك بقوله: {أبدًا}.
ولما كان ذلك لا يتم إلا برضى المالك قال: {رضي الله} أي الذي له صفات الكمال {عنهم} أي بجميع ما له من الصفات، وهو كناية عن أنه أثابهم بما يكون من الراضي ثوابًا متنوعًا بتنوع ما له من جميع صفات الكمال والجمال؛ ولما كان ذلك لا يكمل ويبسط ويجمل إلا برضاهم قال: {ورضوا عنه} يعني أنه لم يدع لهم شهوة إلا أنالهم إياها، وقال ابن الزبير بعدما أسلفته عنه: فلما طلب تعالى المؤمنين بالوفاء فيما نقض به غيرهم، وذكّرهم ببعض ما وقع فيه النقض وما أعقب ذلك فاعله، وأعلمهم بثمرة التزام التسليم والامتثال، أراهم جل وتعالى ثمرة الوفاء وعاقبته، فقال تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس} [المائدة: 116] إلى قوله- {هذا يوم ينفع الصادقين}- إلى آخرها.
فيحصل من جملتها الأمر بالوفاء فيما تقدمها وحالُ من حاد ونقض، وعاقبة من وفى، وأنهم الصادقون، وقد أمرنا أن نكون معهم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119]- انتهى.
ولما كان سبحانه قد أمرهم أول السورة بالوفاء شكرًا على ما أحل لهم في دنياهم، ثم أخبر أنه زاد الشاكرين منهم ورقاهم إلى أن أباحهم أجلّ النفائس في أخراهم، ووصف سبحانه هذا الذي أباحه لهم إلى أن بلغ في وصفه ما لا مزيد عليه، أخذ يغبطهم به فقال: {ذلك} أي الأمر العالي لا غيره {الفوز العظيم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أجمعوا على أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة، والمعنى أن صدقهم في الدنيا ينفعهم في القيامة، والدليل على أن المراد ما ذكرنا: أن صدق الكفار في القيامة لا ينفعهم، ألا ترى أن إبليس قال: {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم: 22] فلم ينفعه هذا الصدق، وهذا الكلام تصديق من الله تعالى لعيسى في قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِى بِهِ} [المائدة: 117]. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} يعني يوم القيامة، وإنما نفعهم الصدق في ذلك اليوم لوقوع الجزاء فيه وإن كان في كلِّ الأيام نافعًا، وفي هذا الصدق قولان:
أحدهما: أن صدقهم الذي كان منهم في الدنيا نفعهم في الآخرة جُوزُوا عليه من الثواب، فعلى هذا المراد بهذا الصدق وجهان محتملان:
أحدهما: أنه صدقهم في عهودهم.
والثاني: أنه تصديقهم لرسل الله وكتبه.
والقول الثاني: أنه صدق يكون منهم في الآخرة ينفعهم لقيامهم فيه بحق الله.
فعلى هذا في المراد بهذا الصدق وجهان محتملان:
أحدهما: أنه صدقهم في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ.
والثاني: صدقهم فيما شهدوا به على أنفسهم عن أعمالهم، ويكون وجه النفع فيه أن يكفوا المؤاخذة بتركهم كتم الشهادة، فيغفر لهم بإقرارهم لأنبيائهم وعلى أنفسهم.
وهل هم مصروفون عنه قبل موقف العرض؟ على قولين.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالَ الله هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ} أي صدقهم في الدنيا فأما في الآخرة فلا ينفع فيها الصدق، وصدقهم في الدنيا يحتمل أن يكون صدقهم في العمل لله، ويحتمل أن يكون تركهم الكذب عليه وعلى رسله، وإنما ينفعهم الصدق في ذلك اليوم وإن كان نافعًا في كل الأيام لوقوع الجزاء فيه.
وقيل: المراد صدقهم في الآخرة وذلك في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ، وفيما شهدوا به على أنفسهم من أعمالهم ويكون وجه النفع فيه أن يُكفوَا المؤاخذة بتركهم كتم الشهادة، فيغفر لهم بإقرارهم لأنبيائهم وعلى أنفسهم. والله أعلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} اتفق جمهور العلماء على أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة والمعنى أن صدقهم في الدنيا ينفعهم في الآخرة لأنه يوم الإثابة والجزاء وما تقدم من صدقهم في الدنيا يتبين نفعه يوم القيامة والمراد بالصادقين النبيون والمؤمنون لأن الكفار لا ينفعهم صدقهم يوم القيامة.
قال قتادة: متكلمان لا يخطئان يوم القيامة عيسى عليه السلام لأنه يقوم فيقول ما قص الله عنه ما قلت لهم إلا ما أمرتني به الآية فكان صادقًا في الدنيا والآخرة فينفعه صدقه.
وأما المتكلم الآخرة فإبليس فإنه يقوم فيقول وقال الشيطان لما قضى الأمر الآية فصدق عدو الله فيما قال ولم ينفعه صدقه.
وقال عطاء هو يوم من أيام الدنيا لأن الآخرة دار جزاء لا دار عمل وذهب في هذا القول إلى ظاهر الآية من أن الصدق النافع إنما يكون في الدنيا وهذا القول موافق لمذهب السدي حيث يقول إن هذه المخاطبة جرت مع عيسى عليه السلام حين رفع إلى السماء، والوجه ما ذهب إليه الجمهور. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم}.
قرأ الجمهور هذا يوم بالرفع على أن هذا مبتدأ ويوم خبره والجملة محكية بقال وهي في موضع المفعول به، لقال: أي هذا الوقت وقت نفع الصادقين وفيه إشارة إلى صدق عيسى عليه السلام.
وقرأ نافع {هذا يوم} بفتح الميم وخرّجه الكوفيون على أنه مبني خبر لهذا وبني لإضافته إلى الجملة الفعلية، وهم لا يشترطون كون الفعل مبنيًا في بناء الظرف المضاف إلى الجملة، فعلى قولهم تتحد القراءتان في المعنى.
وقال البصريون: شرط هذا البناء إذا أضيف الظرف إلى الجملة الفعلية أن يكون مصدرًا بفعل مبني، لأنه لا يسري إليه البناء لا من المبني الذي أضيف إليه، والمسألة مقررة في علم النحو فعلى قول البصريين: هو معرب لا مبني وخرج نصبه على وجهين ذكرهما الزمخشري وغيره أحدهما: أن يكون ظرفًا لقال وهذا إشارة إلى المصدر فيكون منصوبًا على المصدرية، أي: قال الله هذا القول أو إشارة إلى الخبر أو القصص، كقولك: قال زيد شعرًا أو قال زيد: خطبة فيكون إشارة إلى مضمون الجملة، واختلف في نصبه أهو على المصدرية أو ينتصب مفعولًا به؟ فعلى هذا الخلاف ينتصب إذا كان إشارة إلى الخبر أو القصص نصب المصدر أو نصب المفعول به.
قال ابن عطية: وانتصابه على الظرف وتقدير {قال الله هذا} القصص أو الخبر {يوم ينفع} معنى يزيل وصف الآية وبهاء اللفظ والمعنى، والوجه الثاني أن يكون ظرفًا خبر {هذا} و{هذا} مرفوع على الابتداء والتقدير، هذا الذي ذكرناه من كلام عيسى واقع يوم ينفع ويكون هذا يوم ينفع جملة محكية بقال.
قال الزمخشري: وقرأ الأعمش يومًا ينفع بالتنوين كقوله: {واتقوا يومًا لا تجزى} وقال ابن عطية: وقرأ الحسن بن عياش الشامي {هذا يوم} بالرفع والتنوين.
وقرأ الجمهور {صدقهم} بالرفع فاعل ينفع وقرئ بالنصب، وخرج على أنه مفعول له أي لصدقهم أو على إسقاط حرف الجر أي بصدقهم أو مصدر مؤكد، أي الذين يصدقون صدقهم أو مفعول به أي يصدقون الصدق كما تقول: صدقته القتال والمعنى يحققون الصدق.
قال الزمخشري فإن قلت: إن أريد {صدقهم} في الآخرة فليست بدار عمل، وإن أريد في الدنيا فليس بمطابق لما ورد فيه، لأنه في معنى الشهادة لعيسى عليه السلام بالصدق فيما يجيب به يوم القيامة.
قلت: معناه الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم وآخرتهم انتهى، وهذا بناء على قول من قال: إن هذا القول يكون من الله تعالى في الآخرة وقد اتبع الزمخشري الزجاج في قوله: هذا حقيقته الحكاية ومعنى {ينفع الصادقين صدقهم} الذي كان في الدنيا ينفعهم في القيامة، لأن الآخرة ليست بدار عمل ولا ينفع أحدًا فيها ما قال وإن حسن، ولو صدق الكافر وأقرّ بما عمل فقال: كفرت وأسأت ما نفعه، وإنما الصادق الذي ينفعه صدقه الذي كان فيه في الدنيا والآخرة؛ انتهى.
والظاهر أنه ابتداء كلام من الله تعالى.
وقال السدي: هذا فصل من كلام عيسى عليه السلام أي: يقول عيسى يوم القيامة: قال الله تعالى: واختلف في هذا اليوم، فقيل: يوم القيامة كما ذكرناه وخص بالذكر لأنه يوم الجزاء الذي فيه تجنى ثمرات الصدق الدائمة الكاملة، وإلا فالصدق ينفع في كل يوم وكل وقت.
وقيل: هو يوم من أيام الدنيا فإن العمل لا ينفع إلا إذا كان في الدنيا والصادقون هنا النبيون وصدقهم تبليغهم، أو المؤمنون وصدقهم إخلاصهم في إيمانهم أو صدق عهودهم أو صدقهم في العمل لله تعالى، أو صدقهم تركهم الكذب على الله وعلى رسله أو صدقهم في الآخرة في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ أو شهدوا به على أنفسهم من أعمالهم، ويكون وجه النفع فيه أن يكفوا المؤاخذة بتركهم كتم الشهادة فيغفر لهم بإقرارهم لأنبيائهم وعلى أنفسهم أقوال ستة، والظاهر العموم فكل صادق ينفعه صدقه. اهـ.